العروس تنام وتصحو على صوت "الكركرة

العروس تنام وتصحو على صوت "الكركرة"
المعسل يخنق "أنفاس" جدة

جدة: وائل أبومنصور
أسبوع واحد فقط طبقت فيه محافظة جدة إقفال المقاهي داخل الأحياء السكنية، ومنع تقديم "المعسل" داخل المطاعم والمقاهي بنوعيها العائلية والعامة. بعدها – كما يقول رئيس لجنة الصحة والبيئة بالمجلس البلدي حسين البار – عادت المقاهي والمطاعم داخل الأحياء لتقديم المعسل.
ويرى مساعد وكيل أمين جدة للأسواق والمواد الغذائية مدير إدارة الأسواق ومدير الإدارة العامة للتراخيص والرقابة التجارية محمود كنسارة، أن دور الأمانة يقتصر على إعطاء رخصة مطعم في الوقت الحالي، وأن الأمانة تعكف على وضع ضوابط بالتعاون مع المجلس البلدي، وأنها متى ما أقرت ستكون "جيدة جدا" لجميع الأطراف، بحسب وصفه.
في حين يكشف مصدر في لجنة الضيافة عن أبرز الضوابط المقترحة، ومنها: إيجاد مواقع للمدخنين وغير المدخنين في المطاعم، ضرورة وجود منشورات توعية في المقاهي، منع التدخين لأقل من 18 سنة (وهو ما تتساهل فيه معظم المقاهي)، التأكد من وسائل التهوية السليمة، الحد من انتشار المقاهي داخل الأحياء السكنية والنطاقات غير التجارية.
ويعود حسين البار ليؤكد على ضرورة تشريع القانون أولا، "ثم بعد ذلك نضع اللائحة التنفيذية له.
وأضاف "ليس لدينا مشكلة في الحلول الوسط، والتدرج في تطبيق القانون، ولكن يجب أن يعرف الناس أن التدخين في الأماكن المغلقة ممنوع". وأكد البار أن المجلس بصدد مناقشة "الخطة التنفيذية" المعنية بوضع العقوبات وآلية التطبيق والجدول الزمني للتطبيق.
وفي جدة نحو 600 مطعم ومقهى تقدم المعسل داخل المدينة.
وستخسر هذه المطاعم والمقاهي نحو مليارين و400 مليون ريال سعودي في حال منعها من تقديم الجراك والمعسل.. ومن الواضح أن المعادلة الصحيحة في جدة تشير الآن إلى أن شباب + فراغ + تبغ = خنق أنفاس العروس التي تنام وتصحو على صوت "الكركرة".
كان المساء، في أحد مقاهي شارع التحلية بجدة، صاخبا كعادته. الأضواء خافتة، وأبصار الشباب شاخصة باتجاه عدد من شاشات «البلازما» المتدلية من سقف المقهى. مباراة لنادي برشلونة، وأخرى لريال مدريد، في نقل حي ضمن منافسات الدوري الإسباني. كان التنافس حاضرا أيضا بين صوت كركرة «المعسل»، وهدير صيحات الشباب مع كل هدف أو فرصة ضائعة.
قال عبدالعزيز (27 سنة)، ضابط في أحد القطاعات العسكرية، قبل أن ينفث سحابة من دخان برائحة العنب، «أنا ضد قرار منع التدخين في المقاهي، لأن أصحاب المقاهي لن يلتزموا بتطبيق القرار. ولكن سأؤيد القرار، إذا التزم الجميع بلا استثناء». جاء تعليق عبدالعزيز ردا على «التوصيات» التي أقرها المجلس البلدي مؤخرا في جلسته رقم 47 في 8 صفر 1430، حول منع التدخين بكافة أنواعه، السجائر والشيش والمعسلات، في المطاعم والمقاهي ومقاهي الإنترنت، بالإضافة إلى نقل المقاهي الشعبية التي تقدمها إلى خارج المدينة.
على يمين عبدالعزيز، جلس عمرو العوفي، (27 سنة) وهو شاب إعلامي في إحدى الصحف المجانية، ويشارك أصدقاءه في بعض الليالي على عكس عبدالعزيز الذي يأتي للمقهى شبه يومي. «الموضوع متراكم» قالها عمرو وبين إصبعيه سيجارة تنتظر أن ينفض عنها الرماد. « تعلمت التدخين في سن مبكرة، وكنا نذهب إلى المقاهي لنشاهد المباريات مع أصدقائي وبحرية أكبر، للأسف لا توجد أماكن صحية يمكن مشاهدة المباريات فيها باستثناء المقاهي المرتبطة بالشاي والجراك وعلب السجائر».
اختلس العوفي نظرات خاطفة نحو الشاشة بعد أن قاد نجمه المفضل هجمة خطرة ، وأضاف «أنا مع توصيات منع التدخين خصوصا في المطاعم، أو أن تستمر المقاهي في تقديم المعسل ولكن في الهواء الطلق».
على الطرف المقابل من العوفي جلس (ماجد) وهو شاب سعودي في العقد الثالث من العمر يعمل موظفاً في أحد البنوك، كان منهمكا طيلة الوقت في متابعة أحداث المباراة، ولكنه أبدى معارضة مطلقة للتوصيات، قبل أن يشد نفسا عميقا ألهب جمرات معسله المفضل.
ثورة على التدخين
قضية منع التدخين في مطاعم ومقاهي جدة ليست بالجديدة. فقبل حوالي سنة ونصف أو سنتين تقريبا، أصدر محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد قرارا بإقفال المقاهي داخل الأحياء السكنية، ومنع تقديم «المعسل» داخل المطاعم والمقاهي بنوعيها العائلية والعامة.
يقول رئيس لجنة الصحة والبيئة بالمجلس البلدي حسين البار إن القرار السابق تم تطبيقه في حينه لمدة أسبوع واحد فقط، ثم ما لبثت أن عادت المقاهي داخل الأحياء مجددا لتقديم (المعسل). أمانة محافظة جدة أبلغتنا وقتها أنها تعكف على دراسة الموضوع من جديد، وأنها بصدد وضع ضوابط وفق دراسة علمية مدققة». البار الذي وقف خلف التوصيات التي أقرت في المجلس البلدي مؤخرا، أبدى أسفه لأن اللجنة التي شكلت في حينه «لم تكن متخصصة في هذا الباب، وغير متفرغة لهذا العمل» وقال «نحن في البدايات لم نكن نملك الخبرة الكافية والحنكة بمجريات العمل الإداري ودهاليزه وطرق التعامل فيه». الأمر الذي جعل اللجنة تميت القضية «موتا كاملا»، بحسب تعبيره. ويؤكد البار أنهم تلقوا كثيرا من شكاوى المواطنين بسبب المقاهي القريبة من الأحياء السكنية، وما تسببه من تجمعات شبابية داخل الأحياء.
ويضيف «معظم (الأهالي) يشتكون من انتشار تدخين المعسل بين بناتهم بطريقة متسارعة في الخمس سنوات الأخيرة، بالإضافة إلى انتشاره بين الشباب من سن 18 إلى 20 سنة».
يلخص البار حماسه لمنع التدخين داخل المدينة بفلسفة مختصرة، « عندما نأتي للشباب ونفتح لهم مقهى أو مطعماً يقدم المعسل في كل شارع، فنحن تزيد من فرصة ممارستهم للتدخين، ولكن نقلها لمكان بعيد عن المدينة يساعد على تقليص ممارستها». ويضيف أن ثمة إجماعاً عالمياً اليوم على منع التدخين في الأماكن العامة، «ولا أحد يفكر في التدخين في الأماكن المغلقة» قالها كمن يقرر حقيقة لا لبس فيها.
من أبرز التوصيات التي أقرت في الجلسة 47، وحظيت بأغلبية الأصوات في المجلس باستثناء صوت أو اثنين، بحسب البار: منع التدخين، بكافة أنواعه، السجائر والشيش والمعسلات، في المطاعم ومقاهي الإنترنت، ونقل المقاهي الشعبية من داخل الأحياء السكنية إلى خارج المدينة،، أو لأطراف المدينة (والأطراف تشمل الكورنيش)، أسوة بكافة مدن المملكة وتمشياً مع كافة التعاميم الوزارية بهذا الخصوص، وإغلاق جميع المحلات التي تقدم الشيشة والمعسل المخالفة للأنظمة، ومنع دخول الأطفال والمراهقين إلى الأماكن التي تقدم الشيشة والمعسل، ومنع التدخين في أماكن تجمعات المواطنين مثل صوالين الحلاقة والبنوك والفنادق وأي مكان فيه طوابير انتظار. وستتولى لجنة مكافحة التدخين برئاسة محمد أبو داوود التنسيق مع الأمانة على إيجاد الآليات والغرامات والعقوبات وخطة زمنية لتطبيق هذه التوصيات.
... ولا تمس (كيفي!)
تحويل التوصيات الأخيرة إلى قرار نافذ ليس بالطريق المفروش بالورود. مصالح عدة تتقاطع في اتجاهات متضاربة. مصدر «مطلع» في لجنة الضيافة بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، رفض الكشف عن اسمه، قال في اتصال هاتفي لـ»الوطن» إن الخسائر المتوقعة لتنفيذ التوصيات تقدر بـ مليارين و400 مليون ريال سعودي.
لكن نائب رئيس لجنة الضيافة، درويش خير الخضراء، أكد أن لجنة الضيافة بالتعاون مع المجلس البلدي وأمانة محافظة جدة سيعملون على وضع ضوابط جديدة، لكنه تمسك بعدم الكشف عنها. وقال في لقاء معه بأحد المقاهي بشارع فلسطين لمعرفة موقف اللجنة والمستثمرين من التوصيات الأخيرة للمجلس،» في رأيي كان قرارا غير مدروس». ارتشف الخضراء رشفة من فنجان القهوة أمامه، وقال بهدوء، وهو يستمتع بلحظات الصباح الباكر في وجود شابين فقط على طاولة مجاورة «أصحاب المطاعم والمقاهي خسروا الملايين عندما طبق القرار في السابق». استدرك الخضراء قطعية إجابته قبل أن يضيف «لا اختلاف على ضرورة وضع ضوابط جديدة للتدخين في المطاعم والمقاهي، بحيث لا يتضرر المواطن، ولا يخسر المستثمر».
معارضة الخضراء للتوصيات الأخيرة لم تنطلق من جانب اقتصادي صرف، بل إنه تحدث عن المطاعم والمقاهي، ومن ضمنها خدمة تقديم»المعسل»، بوصفها إحدى وسائل الترفيه والتسلية الرئيسة بجدة. وتزداد أهميتها، بحسب تعبيره، كون المدينة تفتقد لكثير من أماكن الترفيه مثل الحدائق العامة أو النوادي أو صالات السينما. كما يحذر الخضراء من أن منع تقديم «المعسل» داخل المدينة، ونقل المقاهي التي تقدمها إلى خارج المدينة، أو إلى منطقة «الصناعية»، حيث تنتشر المقاهي الشعبية، سيخلق «أوكارا سيئة للشباب بعيدا عن الأعين»، وقد يؤدي إلى مشاكل أمنية، أو ثقافية تنتج عن اختلاط الشباب بفئات اجتماعية غير متكافئة، بحسب تعبيره. يضيف «أتمنى أن يكون أبناؤنا أمام أعيننا، داخل المدينة، لا أريدهم أن يقطعوا مسافات بعيدة تعرضهم للخطر»، قالها الخضراء منهيا مرافعته للرأي العام؛ إلا أنه تذكر الشابين الذين كانا يستمتعان بالجوار بأنفاس «المعسل»، وهيئتهما وطريقة تصفيف شعرهما ينمان عن مواكبتهما لآخر الموضات، وتساءل: «كيف يذهب هؤلاء إلى مقاهي الصناعية؟».
وجيه الحباب (22) سنة، وعزام المدني (21 سنة). شاركا في الحوار بعدما شعروا بمحاصرة السؤال. لم يكن مفاجئا رفضهما للتوصيات، معللين موقفهما أن المقاهي خارج المدينة لا يمكن أن تكون «بمستوى المقاهي الحديثة داخل المدينة»، وأن المقاهي الحديثة داخل المدينة توفر لهما الراحة، وأضاف الحباب في أسى، «لا توجد كثير من الأنشطة الموجهة للشباب داخل المدينة». بالنسبة للفتيات اللاتي يتعاطين شيشة المعسل فهن يمارسن هذه العادة لأسباب ثلاثة من بينها تقليد ومحاكاة ما يشاهدنه في برامج الفضائيات خصوصا في الخيم الرمضانية، ومحاولة لقتل الفراغ، بينما ترجع بعض الفتيات إلى أن تدخينهن هو بسبب ترددهن على المقاهي الحديثة مما أكسبهن هذه العادة، فيما يجد البعض الآخر منهن أنها ليست تقليدا و إنما نوع من «التنفيس!».
شيطان التفاصيل
في جدة اليوم ما يقارب من 600 مطعم ومقهى يقدمون «المعسل» داخل المدينة بحسب (أرقام) لجنة الضيافة. المفاجأة عندما تكتشف أن جميعها لا يملك ترخيصا واحدا لتقديم «المعسل»، باستثناء المقاهي الشعبية خارج المدينة!.
مساعد وكيل أمين جدة للأسواق والمواد الغذائية مدير إدارة الأسواق ومدير الإدارة العامة للتراخيص والرقابة التجارية محمود كنسارة، أكد ذلك، وأضاف أن دور الأمانة يقتصر على إعطاء رخصة مطعم في الوقت الحالي، وأن الأمانة تعكف على وضع ضوابط بالتعاون مع المجلس البلدي، وأنها متى ما أقرت ستكون «جيدة جدا» لجميع الأطراف، بحسب وصفه. في حين يكشف مصدر في لجنة الضيافة عن أبرز الضوابط المقترحة، ومنها: إيجاد مواقع للمدخنين وغير المدخنين في المطاعم، ضرورة وجود منشورات توعية في المقاهي، منع التدخين لأقل من 18 سنة (وهو ما تتساهل فيه معظم المقاهي)، التأكد من وسائل التهوية السليمة، الحد من انتشار المقاهي داخل الأحياء السكنية والنطاقات غير التجارية. بالعودة إلى حسين البار يؤكد على ضرورة تشريع القانون أولا، «ثم بعد ذلك نضع اللائحة التنفيذية له. وأضاف «ليس لدينا مشكلة في الحلول الوسط، والتدرج في تطبيق القانون، ولكن يجب أن يعرف الناس أن التدخين في الأماكن المغلقة ممنوع». وأكد البار أن المجلس بصدد مناقشة «الخطة التنفيذية» المعنية بوضع العقوبات وآلية التطبيق والجدول الزمني للتطبيق.
مدينة مقاه!
للمقاهي في جدة قصة طويلة، وتاريخ عريق. يقول رئيس تحرير مجلة الحج والكاتب الصحفي محمد صادق دياب «إن ظاهرة المقاهي لفتت أنظار الرحالة والمؤرخين منذ مئات السنين، وتحدث عنها الرحالة السويسري بوركهارت، والفرنسي ديديه، والمؤرخ الحضراوي من سكان جدة، والرحالة والمؤرخ المصري أحمد رفعت. ويشير دياب إلى الدور الوظيفي الهام الذي لعبه المقهى في حياة سكان جدة، حيث كان بمثابة النادي الأدبي للأديب، فكان لكل مجتمع من الأدباء مقهى في مكة المكرمة وجدة؛ وبمثابة المسرح للفنان، وكان لكل مهنة مقهى، البحارة والبنائين والنجارين. ويرى دياب أن التدخين ارتبط بالمقهى منذ عقود طويلة، « كان الناس يتعاطون الشيش الحمي (التنباك)، ثم الجراك، منذ أن ولدنا « ويدلل على ذلك بالقول المشهور للأديب المكي الراحل أحمد السباعي منذ أكثر من 60 سنة «جدة سباقة إلى كل جديد، جريئة في اصطناع كل موضة»، وكيف كان القادمون من مكة إلى جدة يشاهدون شيش الحمي والجراك في المقاهي، بحسب وصف السباعي. ولكن دياب يحدد موقفه من ظاهرة التدخين بصورة واضحة، «لا يوجد عاقل يمكن أن يشجع ظاهرة التدخين في المدينة، لكن إذا منعنا التدخين في المقاهي، وأخرجناها إلى خارج المدينة، هل سنساهم بذلك في القضاء على التدخين؟» ويجيب دياب على تساؤله «أنا أعتقد إن إبعاد التدخين عن أعيننا، وطرد المدخنين إلى خارج المدينة لن يقضي على المشكلة، وهو معالجة ظاهرية، لا تمتد إلى الجوهر». والحل من وجهة نظره يكمن في التوعية بأضرار التدخين وتكثيف وسائل التثقيف بمخاطره للأجيال الشابة، وابتكار أساليب جديدة، فإبقاء الظاهرة أمام العين أسهل من عزلها.

يعطيك العافيه اختي رنيم شكراا لك