بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا سائت اخلاقنا؟؟
إِنَّ الحَمدَ لِلّٰهِ نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللّٰهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، مَن يَهدِهِ اللّٰهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلَّا اللّٰهُ، وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعدُ: فَإِنَّ خَيرَ الكَلَامِ كَلَامُ اللّٰهِ، وَخَيرَ الهَديِ هَديُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعدُ: فَإِنَّ شَأنَ الأَخلَاقِ عَظِيمٌ، وَإِنَّ مَنزِلَتَهَا لَعَالِيَةٌ فِي الدِّينِ.
وَلَقَد تَظَاهَرَت نُصُوصُ الشَّرعِ فِي الحَدِيثِ عَنِ الأَخلَاقِ، فَحَثَّت، وَحَضَّت، وَرَغَّبَت فِي مَحَاسِنِ الأَخلَاقِ، وَحَذَّرَت وَنَفَّرَت وَرَهَّبَت مِن مَسَاوِئِ الأَخلَاقِ.
بَل إِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ: أَنَّ الغَايَةَ مِن بِعثَتِهِ إِنَّمَا هِيَ إِتمَامُ الأَخلَاقِ الفَاضِلَةِ، وَالسَّجَايَا الحَمِيدَةِ، وَالصِّفَاتِ النَّبِيلَةِ.
عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللّٰهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخلَاقِ» رواه البخاري في «الأدب المفرد» (273)، وصححه الألباني رحمه الله في «صحيح الأدب المفرد» (207). . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُسنَ الخُلُقِ مِن أَعظَمِ رَكَائِزِ الدِّينِ.
وَمَعَ عِظَمِ تِلكَ المَنزِلَةِ لِحُسنِ الخُلُقِ، إِلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنَ المُسلِمِينَ قَد فَرَّطُوا فِي هَذَا الجَانِبِ، فَلَم يُلقُوا لَهُ بَالًا، وَلَم يُعِيرُوهُ اهتِمَامًا، فَسَاءَت أَخلَاقُ كَثِيرٍ مِنهُم، وَشَاعَت مَظَاهِرُ السُّوءِ فِي صُفُوفِهِم، وَقَلَّ الحَيَاءُ فِي سُلُوكِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَمُعَامَلَاتِهِم.
يَقُولُ بَعضُ العُلَمَاءِ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ شَرَفُ المَطلُوبِ بِشَرَفِ نَتَائِجِهِ، وَعِظَمُ خَطَرِهِ بِكَثرَةِ مَنَافِعِهِ، وَبِحَسَبِ مَنَافِعِهِ تَجِبُ العِنَايَةُ بِهِ، وَعَلَى قَدرِ العِنَايَةِ بِهِ يَكُونُ اجتِنَاءُ ثَمَرَتِهِ؛ وَلَمَّا كَانَ حُسنُ الخُلُقِ أَعظَمَ الأُمُورِ قَدرًا وَأَعَمَّهَا نَفعًا، وَاستَقَامَ بِهِ أَمرُ الدِّينِ وَالدُّنيَا، وَانتَظَمَ بِهِ صَلَاحُ الآخِرَةِ وَالأُولَى، وَجَبَ أَن نَضَعَ حُسنَ الخُلُقِ نُصبَ أَعيُنِنَا.
لِمَاذَا سَاءَت أَخلَاقُنَا؟
------------------
سَاءَت أَخلَاقُنَا لِأَنَّنَا نَهتَمُّ بِمَلَابِسِنَا وَمَظَاهِرِنَا، عَلَى حِسَابِ بَوَاطِنِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَخلَاقِنَا!!
سَاءَت أَخلَاقُنَا لِأَنَّنَا أَصلَحنَا دُنيَانَا بِتَمزِيقِ دِينِنَا!!
سَاءَت أَخلَاقُنَا لِأَنَّنَا نُصلِحُ دُنيَانَا وَنَنسَى آخِرَتَنَا!!
سَاءَت أَخلَاقُنَا لِأَنَّنَا نَهتَمُّ بِأَنفُسِنَا وَنَنسَى الآخَرِينَ!!
سَاءَت أَخلَاقُنَا لِأَنَّنَا لَا نَنتَبِهُ إِلَى أَنَّنَا نُخطِئُ كَثِيرًا!! وَلَا نَشعُرُ بِأَهَمِّيَّةِ مُحَاسَبَةِ أَنفُسِنَا وَتَعدِيلِ أَخطَائِنَا!!
سَاءَت أَخلَاقُنَا لِأَنَّنَا جَاهِلُونَ بِعُيُوبِنَا، يَرَى أَحَدُنَا القَذَى فِي أَخِيهِ، وَلَا يَرَى الجِذعَ فِي عَينِهِ.
سَاءَت أَخلَاقُنَا لِأَنَّنَا نَقضِي وَقتًا طَوِيلًا لِمُشَاهَدَةِ الفَضَائِيَّاتِ، وَالَّتِي مُعظَمُهَا لَا تَستَحيِي مِن نَقلِ الصُّورَةِ العَارِيَةِ، وَالمُسَلسَلِ الهَابِطِ، وَالفِكرِ المُنحَرِفِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَعَاوِلُ هَدمٍ لِلقِيَمِ وَالأَخلَاقِ، وَهِيَ جَرِيمَةٌ كُبرَى.
سَاءَت أَخلَاقُنَا لِأَنَّنَا نُقَدِّمُ المَصلَحَةَ الشَّخصِيَّةَ عَلَى المَصلَحَةِ العَامَّةِ.
سَاءَت أَخلَاقُنَا فَعِبنَا زَمَانَنَا.
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيبُ فِينَا......وَمَا لِزَمَانِنَا عَيبٌ سِوَانَا
كَثُرَت ذُنُوبُنَا فَضَاقَت صُدُورُنَا وَاضطَرَبَت أَعصَابُنَا وَسَاءَت أَخلَاقُنَا، فَلَا يَكَادُ اثنَانِ يَتَحَدَّثَانِ حَتَّى يَنفَجِرَ الغَضَبُ وَتَثُورَ الثَّائِرَةُ وَتَتَدَفَّقَ الأَلفَاظُ النَابِيَةُ، إِلَى مَا تَرَونَ مِن حَالٍ كُلُّكُم تَعرِفُونَهَا.
الأَمرُ عَظِيمٌ، وَالخَطَرُ جَسِيمٌ، وَالإِهمَالُ يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ شَرٌّ عَمِيمٌ.
لَئِن تَمَادَينَا عَلَى هَذَا الإِهمَالِ فَالمُستَقبَلُ وَخِيمٌ، وَلَئِن لَم نُحَسِّن أَخلَاقَنَا فَالخَطَرُ عَمِيمٌ، وَلَئِن لَم يَفعَل كُلٌّ مِنَّا مَقدُورَهُ فَالضَّرَرُ جَسِيمٌ.
وَلِهَذَا جَاءَت هَذِهِ الكَلِمَاتُ تَذكِيرًا بِالخُلُقِ الحَسَنِ، وَتَحذِيرًا مِن سُوءِ الخُلُقِ: فِي زَمَنِ العَجَائِبِ وَقَلبِ الحَقَائِقِ، عَسَى أَن نَتَخَلَّى عَنِ الرَّذَائِلِ، وَنَتَحَلَّى بِالفَضَائِلِ.
اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
ولا تؤاخذني بما يقولون
واغفر لي ما لا يعلمون
اللهم صل و سلم و بارك علي سيدنا محمد و علي آله
و صحبه و سلم و الحمد لله رب العالمين.